الثلاثاء، 4 أغسطس 2009

انها ليست امى


منذ نعومة اظافرى و أنا اسمعهم يقولون ان مصر هى امى و لكننى لم افكر من قبل فى طبيعة هذه العلاقة التى تربطنى بها ... هل هى بالفعل امى ام انها مجرد كلمات توحى بالحب المتبادل و العطاء الذى تبذله الام من اجل ولدها ؟

الام هى التى تلد الابن فهل ولدتنى مصر ؟ فى الحقيقة و بطريقة علمية نجد ان الارض هى الام الاصلية لكل من ولد على ارضها فلو أرضعت أم اى طفل عدة مرات حتى اشبعته لصار ولدها فى بالرضاعة و ذلك لانه قد تغذى من لبنها فدخل فى تكوينه جزء منها .

و هذه الام كانت تاكل من الارض التى تحيا بها فيتحول هذه الطعام الى لبن فيشربه الطفل و لذلك فان الام الحقيقية الاصيلة لاى شخص هى الارض التى عاش بها و عاشت بها امه .

و تذكرت قول جبران خليل جبران و هو يتكلم عن الارض فيقول

تنبثق الأرض من الأرض كرهاً وقسراً.
ثم تسير الأرض فوق الأرض تيهاً وكبراً.
وتقيم الأرض من الأرض القصور والبروج والهياكل.
وتنشىء الأرض في الأرض الأساطير والتعاليم والشرائع.
ثم تمل الأرض أعمال الأرض فتحوك من هالات الأرض الأشباح والأوهام والأحلام.
ثم يراود نعاس الأرض أجفان الأرض فتنام نوماً هادئاً عميقاً أبدياً.
ثم تنادي الأرض قائلةً للأرض : أنا الرحم وأنا القبر وسأبقى رحماً وقبراً حتى تضمحل الكواكب وتتحول الشمس إلى رماد .

و هذا هو العقاد يتحدث عن الارض فيقول


أسائل أمنا الأرض **** سؤال الطفل للام
فتخبرني بما أفضى **** الى ادراكه علمى
جزاها الله من ام **** إذا ما انجبت تأد
تغذى الجسم بالجسم**** و تأكل لحم ما تلد

و بالتالى فان الام الحقيقية للمصريين مثلا ليست ارض مصر فقط بل هى الارض بكل ما تحمله الكلمة من معان .... الارض بمعنى اشمل هى الكرة الارضية - ان كانت فى الحقيقة ليست كرة اكثر من كونها بيضاوية الشكل – فارض تركيا هى امى و ارض الولايات المتحدة هى امى و ارض المانيا و اليابان و الصين و حتى ارمينيا و الارجنتين و البانيا و النمسا و استرليا و .... هى فى الحقيقة امى .

فالنظرة التى ننظر بها الى قضية الامومة ليست فى الواقع حقيقية و لا تعرف معنى للشمولية فالام هى امنا جميعا ام المصريين هى نفسها ام الجزائريين و الموريتانين و البلجيكيين و البرازيليين و الكنديين و البتسوانيين .

انها ام لكل البشر و هذا يدعم مبدأ الاخوة فى الانسانية .

و لكن اذا نظرنا الى القضية بشكل جزئى لوجدنا ان مصر قد تكون امى ان انا شعرت انها امى و قد تكون زوجة ابى بكل ما تحمله الكلمة من معنى للاضطهاد و الذل القسوة .

فاذا سالك انسان بطريقة مباشرة و بدون اى مقدمات " هل مصر هى امك ؟ " فلا تتعجل الجواب فقد تكون من وجهة نظرك هى امك و قد تكون زوجة ابيك و قد تكون مجرد عاهرة قابلها ابيك فاصبحت اما غير شرعية بالنسبة لك .

فليجب كل شخص على السؤال بموضوعية بالخصوص المصريين لان الكلام موجه اليهم بصفة اساسية و لكنه قد يتشعب ليشمل كل دول العالم . و إياك ان تؤثر عليك العاطفة او الكلمات المعسولة التى تروجها الحكومات لتكتسب الشرعية و الاسباب التى تبرر بها كل فعل تريده و تبنى لنفسها عروشا قد تصل الى الكفر بكل المعانى الجميلة التى قد تحارب او حتى تكدر صفو الحكم على الحكام .

و هذه بدعة قديمة حديثة بدأت مع فرعون الذى قال " أليس لى ملك مصر " و العجيب انها لن تنتهى حتى يرث الله الارض و من عليها .

بالنسبة لى افضل بل و اعتنق الفكر الشمولى الذى يخبرنى ان الارض هى امى و الا لما دعى القران الكريم الى الهجرة من ارض الى ارض لان الارض كلها فى الواقع ارض واحدة لا حدود ولا فواصل ولا فراغ بينها .

ان مصر بالنسبة لى ليست امى انها حتى ليست زوجة ابى انها لا تعدوا إلا ان تكون جثة امى او انها جزء قد اصابه المرض الخبيث و لا مكان لاحد فيها الا بنصيب من البؤس و الشقاء .

ان امى لا تعرف التوريث ...

ان امى لا تعرف السرقة و الفساد على كافة المستويات ...

ان امى لم تمد إلي يدها من قبل الا بالخير ....

ان امى لم تغتصب من كل شعوب الارض بداية من الهكسوس الى اليهود ....

ان امى تعرف القراءة و الكتابة و قادرة على ان تفرق بين العدو و الصديق ...

ان امى لم تقتل ابناءها الذين هم اخوتى من قبل ....

ان امى لم تفرق بينى و بين احد من اخوتى لانه اغنى منى او اجمل منى او حتى كونه اقوى منى ...

لقد عشت فى مصر ما يقارب الخمسين ربيع و خريف و شتاء و صيف كنت فى كل فصل منها استمع الى ما يردده المصريون او بالاصح ما يريد الحكام ان نسمعه من اغان و اناشيد يسمونها " بالوطنية " يقتلون أبناءنا و بستحيون نساءنا ثم يبثون اغانيهم و معتقداتهم و اعلامهم الموجه ليجعلوننا ننسى بل نتناسى كل ما يدور حولنا من ظلم و فساد .

بل انهم قد يتجاوزون فى القول فيقولون ان مصر ليست ام المصريين و لكنها ام الدنيا كلها .

لقد كفرت بكل ام تقتل ابناءها بل و تطالبهم بالا يدافعوا عن انفسهم أو يتأوهوا من الالم او حتى ينتفضوا فى لحظات ما بعد الذبح .

سيقولون ان العيب ليس فى امك بل هو فى اخوتك ... ساقول إنها تشترك معهم فى نفس الجريمة بل جرمها اعظم و اشد لأنها لم تربى ابناءها تربية جيدة بل زرعت فى نفوسهم الذل و الهوان منذ الصغر ... و القانون يقف مع حجتى فى تلك النقطة فاذا مات طفل بسبب الاهمال او انشغال امه عنه فان القانون يحملها الجرم كاملا و لم اعرف عاقلا قد القى باللوم على الطفل .

فى اخر المطاف هذه ليست دعوة للتشاؤم او الخيانة التى قد يتهمنى بها اخوتى المخدوعين بل هى دعوة لمحاولة انقاذ ما يمكن انقاذه وهى فى الاساس دعوة لتغيير بعض المفاهيم الخاطئة بين ابناء مصر ....

و حاول ان تجيب عن السؤال ذاته دون ان تتسرع الجواب

" هل مصر هى امك ؟ "

إن كان الجواب بقولك " إنها ليست امى " فابدأ بالبحث عن ام بديلة .


1 التعليقات:

غير معرف يقول...

سلم قلمك وأحترم رأيك وأؤمن بنفس معتقدك أنا كل أٍض الله وطنيمادمت قادرا علىالتكيف واتعميرها بما يرضي الله عز وجل

إرسال تعليق